في احد الرحلات في طائرة حصل شيء لم يتوقع
أحداث القصة:
لى مقعدي في الطائرة وفي انتظار الإقلاع من جدة إلى الدمام، هز كتفي أحد المسافرين، وقال لي بصوت خفيض: "أبيك في كلمة راس"، أي أريد أن أتحدث معك على انفراد.
توقعت لأول مرة أنه يريد نقودا؛ كون "كلمة راس" ارتبطت في مخيلتي بالسلف والدّين. فقلت لنفسي: "يا الله، المتسولون وصلوا إلى الطائرات. ألم تكفهم الأموال الطائلة التي يمتصونها منا بمحاذاة الإشارات".
وقاطعني وأنا أمخر عباب خيالي قائلا: "عذرا أزعجتك ولكن لا أريد أن تسمع أمي ما أريد أن أقوله لك الآن؛ لذلك أخذتك جانبا". قلت له: "من أمك، وما علاقتي بها؟". أجابني: "هي من تجلس بجوارك. لا تجيد اللغة الإنجليزية والمضيفات لا يجدن العربية. فهي تحتاج إلى مساعدتك في الترجمة لها إذا تقاطعت معهن.
لا أود أن تعرف أمي أنني طلبت منك هذا الشيء، فتشعر بأنها ناقصة وأنا أريدها تشعر بأنها الأفضل. أفضل منا جميعا". قلت له: "أبشر. لم تطلب شيئا. أنت وأمك فوق رأسي، لكن لمَ لم تجلس بجوارها، ألم تجد مقعدا معها في نفس الدرجة؟". رد عليّ: "لا، إمكاناتي محدودة ولا أستطيع أن أدفع تذكرتي درجة أعمال. بوسعي بمشقة أن أشتري واحدة وهي لأمي.
لا يمكن أن أسمح لأمي أن تركب درجة سياحية". عرضت عليه مقعدي ليجلس فيه، فرد وابتسامة كبيرة تفوح من وجهه: "أنا أكثر سعادة عندما تكون أمي في درجة (البزنس) وأنا في السياحية. أشعر أنها أعلى وأرقى مني". ودعني وتوقعت أن ألتقيه مع نهاية الرحلة. بيد أنه فاجأني بزيارة مباغتة كل عشر دقائق. يقبل رأس أمه ويقول لها: "توصين على شيء. تأمريني على شيء؟".
وأحيانا ينادي المضيفة ويسألها أن تجلب معها كوبً من الشاي أومن الماء إلى أمه. لم يغب طويلا عن أمه وعني. كان حاضرا بجوارنا طوال الرحلة. بعد أن وضعت الطائرة أقدامها في مطار الملك فهد الدولي بالدمام عانقني بحرارة كأنه يعرفني منذ 20 سنة وشكرني بشدة وقبل أن يودعني قلت له: "يا إبراهيم أنا من يستحق أن أشكرك.
تعلمت منك درسا جديدا في البر بالوالدين. دمت عاليا". تشعر أمام إبراهيم بأنك ضئيل جدا ومقصر جدا. إنه مثال لشباب كثيرين حولنا يبرعون في البر بوالديهم. يتفننون في التعبير عن حبهم لهم. جعلنا الله وإياكم