قصة المال يعلم الجمل
حُكم على اعرابي بحجزه بالقلعة، وكان معروف ان من يحجز لا يخرج على قيد الحياة.
وبينما هو يعد الأيام لملاقاة مصيره فإذا بالوالي يزورهم ويتفقد الناس عندها استفاد المحكومون من هذه الفرصة لاستعطاف الوالي وطلب رحمته، وكان الوالي يحب الفكاهة وقرر أن يمزح معهم فقال لهم:
لقد جاءني كبير التجار بجملٍ أصيل كهدية، فمن يستطيع تعليم الجمل القراءة سأعفو عنه، بل إنني سأعطيه ألف دينارٍ كمكافأة، وهنا أصيبو بالحزن إلا أن الأعرابي وجدها فرصته الوحيدة والأخيرة للنجاة فالغريق يتعلق بقشة، وصاح بأعلى صوته:
فنظر الوالي إليه وقال له:
هل أنت جادٌّ فيما تقوله.
فقال الأعرابي:
نعم ولكن أريد مهلةً أربعين يوماً تتركني فيها مع الجمل وتأمر جندك أن يلبوا كل طلباتي خلالها.
اعتقد الوالي أنها حيلة يقصد من خلالها الأعرابي الخروج والتنعم بالطعام والشراب الفاخر ، فوافق على شرطه وقال له:
غادر الوالي و نظر الباقي للأعرابي على انه ورط نفسه في تحدٍّ مستحيل وسيعجّل بأجله.
بدأت المهلة وراح الأعرابي يفكر كيف سينقذ نفسه من هذه القصة وبعد تفكير طويل خطرت له فكرة عبقرية، فقام بتجويع الجمل لثلاثة أيام لم يقدم له أي طعام، وعندما بدأت علامات التعب تظهر على الجمل، أحضر له كتاباً ووضع بين صفحاته حبات من الجوز واللوز والفستق، ووضعه أمام الجمل، وكلما فتح له صفحةً يقوم الجمل بأكل كل الحبات ليقوم الأعرابي بقلب الصفحة فيجد الجمل حبات جديدة فيأكلها، وفي المرة التالية كرر نفس العملية ولكنه لم يقم بقلب الصفحات، وعندما رأى الجمل ذلك أخذ يقلب الصفحات بلسانه بحثاً عن الطعام، وظل الأعرابي يكرر العملية كل ثلاثة أيام حتى اليوم الخامس والثلاثين، وعندها توقف عن إطعام الجمل لخمسة أيام.
وعند انتهاء المهلة أمر الوالي بإحضار الأعرابي والجمل ليرى نتيجة عمله وهو واثقٌ أن الأعرابي لن يستطيع ان يقوم بهذه الحيلة .
دخل الأعرابي مع الجمل فسأله الوالي:
ماذا فعلت خلال هذه الفترة
فأجاب الأعرابي:
لقد علَّمتُ جملكم القراءة وهو قادر الآن على قراءة أي كتاب، ولتتأكد من ذلك أعطه أي كتاب تريد.
نظر الوالي إلى حاجبه وقال له:
وما إن وضع الأعرابي الكتاب أمام الجمل الذي كان يتضور جوعاً حتى تقدم إليه بلهفةٍ وبدأ يقلب الصفحات بلسانه، وكلما قلب صفحة ينظر فيها بتمعّنٍ ثم يقلبها كأنه يقرأ ما هو مكتوب فيها.
وهنا وقف الوالي وأخذ يصفق للأعرابي وهو لا يصدق ما يراه، ثم قال للأعرابي:
لماذا لا يقرأ علينا بصوته لنعرف ماذا يقرأ؟
فقال الأعرابي:
عفواً يا مولاي، فقد كان اتفاقنا أن أعلمه القراءة، ولم نتفق أن أعلمه التكلُّم.
وهنا أصدر الوالي قراراً بالعفو عن الأعرابي ومنحه ألف دينار فعاد إلى أهله سالماً غانماً.